أنقذوا قطاع التعليم..!!/احمد محمود بيداه – الأمين العام للنقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي
مداخلتي في لقاء معالي الوزير الأول مع نقابات التعليم الأساسي والثانوي
ثمة قصة معبرة يتداولها أهل التعليم منذ فترة طويلة، وهي أن مفتشا زار إحدى المدارس الابتدائية فقال: مدير المدرسة لأحد المعلمين: “المعلم أنعت فصلك للمفتش”، فرد المعلم “أنا فصلي ناعتو ألا لمولانا”.
سيرة الفصل والانتقال بين الفصول ثابتة في مسيرة أهل التعليم بموريتانيا، واليوم تضيف لها وزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي مفردة جديدة؛ وهي الفصل التعسفي، يأتي هذا الفصل وفق ما تتواتر عليه أغلب تحليلات المهتمين بالشأن العام ضمن حالة “الفصل المؤدي إلى التقشف” بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد.
طيلة علاقتها بالجسم التعليمي اتخذت الوزارات المعنية سيف التعليق التعسفي والتحويل القسري والخصم والإهانات المادية والمعنوية سيفا مسلطا على عمال التعليم في مختلف التخصصات والأسلاك، ومع الزمن تنامى شعور هائل بالغطرسة والسعي الدائم إلى التركيع، والعمل المستمر من أجل مزيد من انهيار البنية التعليمية، فلم يعد ثمة أسلوب للتعامل مع المدرسين غير العقاب والتعسف.
آخر الإجراءات – كما أسلفت – كانت فصل عدد كبير من المدرسين ناهز 500 مدرس، لقد كانت السرعة وعدم الدقة أحيانا أبرز ما ميز هذا الفصل التعسفي وليس فصل المعلم: شغالي ولد محمد ابيليل – شفاه الله – وغيره من أصحاب الملفات الصحية إلا وجها من الأوجه البشعة لهذا القرار الجائر، وقد طال بعض المدرسين الذين يزاولون عملهم بشكل طبيعي في الفصول كحالة المعلمة: توتو بنت الطالب، كما طال عددا من المحولين تعسفيا وكذلك بعض المدرسين الذين يتابعون تكوينات أكاديمية رسمية في الخارج كحالتي الأستاذين: عبد العزيز ولد عبد الرحمن ومحمد ولد الشيخ، وغيرهم ممن يعتبر فصلهم من الوظيفة العمومية إجراء تعسفيا بكل المعايير.
لقد كان هذا الإجراء العقابي مسبوقا بإجراءات أخرى مثل التحويلات التعسفية، والإجراءات العقابية المتعددة كقرار (5+2)، وربما يكون متبوعا بإجراءات أخرى مثل تلك التي تتفتق عنها يوميا عبقرية خبراء التأزيم، من قبيل تأخير صرف رواتب مئات المعلمين والأساتذة الخريجين هذا العام (دفعات 2024) الذين لم يتقاضوا رواتبهم لحد الساعة وهم يعملون منذ شهرين في مناطق متفرقة من أرجاء الوطن ويعانون ظروفا مادية صعبة.
ينضاف إلى ما سبق قطع الرواتب والعلاوات خطأ دون استرجاعها، إضافة إلى تأخر كثير من المستحقات المالية لعمال التعليم مثل تأخر التعويضات المالية لمدرسي السنوات الإشهادية من السنة الدراسية المنصرمة، وتأخر العلاوات الفصلية عن وقتها المحدد، وتأخر علاوة البعد التي تم نقصها مؤخرا وحرمان منها رؤساء الأقسام في الداخل، وتأخر علاوة التجهيز التي لا تكفي لتجهيز ميت.
ومن المفارقات الغريبة جدا، أن محاولة رفد الخزانة العامة وقدرات الدولة المالية باقتطاع أو استعادة رواتب موظفي قطاع التعليم عمل قليل الجدوائية، زيادة على كونه تصرفا لا إنسانيا ولا حضاريا وذلك لأسباب أبرزها:
– أن الكتلة المالية المخصصة لرواتب وعلاوات عمال التعليم بالغة الهشاشة، فرواتب هؤلاء وعلاواتهم في الحضيض لا تناسب عطاءهم ومكانتهم في أي قطاع إداري يراد منه النهوض بالأمة، ولا تناسب مستوى الغلاء الفاحش في الأسعار الذي يعيشه البلد اليوم.
– أن سياسة التشغيل وتوزيع المخصصات المالية بين الموظفين لم تراع التوازن في أي مرحلة من مراحلها، ذلك أن الاستنزاف الحقيقي للميزانيات يتم من خلال صرف رواتب صاروخية وعلاوات ضخمة في قطاعات معروفة، هو ما يؤدي إلى إنهاك قدرات الدولة.
هناك موظفون سامون في السلطة ومفاصلها المتعددة يكفي راتب الواحد منهم شهريا لتسديد رواتب 70 مدرسا في موريتانيا – وهم كثرة – فأين العدالة في توزيع المخصصات المالية بين الموظفين؟ ومتى سينعم موظفو التعليم بنصيبهم من هذه المخصصات بما يوفر لهم العيش الكريم ويعينهم على القيام بواجبهم؟!
هناك مسلمتان لا يختلف اثنان حولهما:
– أن الدول المحترمة هي تلك التي توفر الرفاهية لمواطنيها، تلك التي يحصل فيها العمال والموظفون على نسبة كافية من ثروتهم في ظاهر الأرض وباطنها.
– ثمة رواتب وحقوقا لا يطففها أو يقطعها من له أدنى مُسكةِ عقل أو حكمة وهي: راتب المدرس والممرض والجندي.
بودي أن أختم بالمطالب الملحة التالية:
1. التعجيل بتوقيع محضر الاتفاق النهائي للحوار الذي يتضمن بالخصوص مضاعفة الرواتب والعلاوات وتوفير السكن اللائق لعمال التعليم.
2. تسوية المظالم المتراكمة بالنسبة لعمال التعليم وفي مقدمتها: صرف رواتب دفعات الخريجين هذا العام بشكل فوري، وإعادة المفصولين خطأ أو تعسفا والمحولين كذلك، فتح التبادل أمام جميع المدرسين بما فيهم الدفعات المكتتبة مقاطعيا، ومعالجة الملفات الصحية ولم الشمل، إضافة إلى استعادة الرواتب المعلقة خطأ وصرف التعويضات المالية المتأخرة لمدرسي السنوات الإشهادية من السنة الماضية.
والسلام عليكم ورحمة الله..
نواكشوط: 2 دجمبر 2024