الحوض الشرقي.. مستقبل التنمية وتنمية المستقبل!../د.محمد ولد.عابدين_أكاديمي وإعلامي

تشرئب أعناق ساكنة الحوض الشرقي خلال الأيام القليلة القادمة إلى حدث تاريخي غير مسبوق ، وهو التئام مجلس الوزراء فى قلب عاصمة ولايتهم ؛ مدينة النعمة فى فضاء زماني خاص على أبواب شهر رمضان المبارك ، وعلى أعتاب موسم سياسي ساخن وحافل بالاستحقاقات الانتخابية ؛ البلدية والجهوية والنيابية المتزامنة هذا العام مع فصل الصيف ؛ فصل القحط “وموسم الهجرة إلى الجنوب ” طلبا للانتجاع ، وبحثا عن الماء والكلإ والمرعى فى منطقة تشكل التنمية الحيوانية موردها الاقتصادي الأول إن لم يكن الأوحد.

وعلى أديم تلك الأرض الطيبة المعطاء تعانقت منذو أمد سحيق فضاءات التاريخ ومداءات الجغرافيا ، لترسم لوحة بهية اندغمت فيها كل الألوان ، وتناغمت على مر العصور والأزمان ، وامتدت مع أجيال الرحلة لتؤسس كينونة حضارية فريدة وسيرورة تاريخية مجيدة ؛ انبثقت من رحم تلك الصحراء وانبجست من عمقها شلال صفاء ونقاء ، ونهر سخاء وعطاء.

إنها ولاية الحوض الشرقي بصلحائها وعلمائها وفرسانها وأمرائها..بحفاظها وزهادها وفقهائها وقرائها..بجبالها وهضابها وسهولها ووهادها ..من : (ربوع الراجاط والبهكه والكلته والشوفية واظهر..إلى كلب انكادى وانواودار..ومن سهول ووديان كوش الخصبة إلى مضارب “لبتان” ومغانى “أكيل” ومرابع ” الكركار” الممرعة!…)..معالم جغرافية شامخة وشاهدة على تراث موسيقي وأدبي وتاريخ وجداني وعرفاني زاخر ، من أسطورة ” نوفل ” إلى أيقونة ” هنون امبهدل”..ومن فروسية وحاتمية ” ولد أعمر ولد اعلى” ..إلى كرامات ومناقب وصلاح “بودمعه الكنتي”.. ومن رحلة “محمد يحي الولاتي “..إلى ملحمة وبطولات ” ولد عبدوك المشظوفي”..وغزليات الأمير الشيخ محمد الأمين وبكائياته الطللية ونسيبه الصافى الرقراق..وصولا إلى تراجيديا “الكفيه ولدبوسيف”..وغنائياته العذبة وبوحه الشفيف!…

مجرد غيض من فيض هذا الفضاء المضمخة ذاكرته بتراث باذخ من منابت الحلم والعلم والصلاح ومغارس النخل والمجد الفواح ؛ حيث تطل لؤلؤة الشرق وسيدة الأرض ، ترتدى اليوم حلة التاريخ الجميل وتلبس جوهرة المجد الأثيل ؛ فيتعانق فيها ألق الزمان الغابر وسحر المكان الآسر ، وهي تستقبل ضيوفها وزوارها بحرارة وحفاوة واحتفال واحتفاء :

يا حوض خير وأمجاد ونعمات

لا زلت في غسق التاريخ مشكاتي

كم مورد فيك مورود، ومنقبة

جلت ومعجزة سارت وآيات

ونعمة فيك قد علقتها شغفا

يانعمة الخير يا أم الكرامات

كلاك بالحفظ والنعماء ملهمتي

رب البريات والسبع السماوات

لله أرض لها في القلب عشعشة

فحبها سيط في قلبي وفي ذاتي

فتيك أرض العلا والعز، ما فتئت

في صفحة المجد عنوان الثقافات

الحوض الشرقي أوالولاية الأولى ؛ طبقا للتصنيف الإداري الوطني ، تتمتع بموقع جيو – ستراتيجي متميز ومقدرات طبيعية ورعوية ، وثروة حيوانية هائلة ، تشكل مرتكزا أساسيا لمستقبل تنمية الولاية ، وخلق نهضة اقتصادية شاملة ؛ تؤسس وفق مقاربة استشرافية لتنمية المستقبل ؛ عبر تحول جذري يجعل من هذه المنطقة قطبا تنمويا فاعلا على الصعيدين الوطني والإقليمي.

تقع هذه الولاية في الناحية الجنوبية الشرقية من البلاد ، مطلة على جمهورية مالى ، ويقطنها زهاء نصف مليون نسمة يتوزعون بين ثمان مقاطعات وثلاثة مراكز إدارية وأزيد من ثلاثين بلدية ، ويعيشون على مساحة قدرها : 183.000كم مربع ، يعتمدون في أهم مواردهم الاقتصادية على الثروة الحيوانية والنشاط الزراعي والتبادل التجاري مع البلدان الإفريقية ، وخصوصا مدن جمهورية مالى المحاذية.

ويتطلع السكان بشغف لزيارة العمل التى يؤديها رئيس الجمهورية للولاية هذه الأيام ، ومايواكبها من التئام مجلس الوزراء ، ويأملون أن تنبثق عنه قرارات تاريخية وتنطلق مشاريع تنموية هامة ، ويعقدون آمالا كبيرة على مخرجات المجلس ؛ آملين أن تشكل تجسيدا عمليا لأهداف وبرامج الاستراتيجية الجهوية لتنمية ولاية الحوض الشرقي.

وتأمل الساكنة – أيضا- أن تشكل هذه الزيارة فاتحة للشروع فى تنفيذ حزمة مشاريع هيكلية ذات أبعاد استراتيجية ، تسهم في جلب استثمارات معتبرة وإقامة مشاريع عملاقة وخلق فرص تشغيل مباشرة ؛ عبر قطاعات ديناميكية متعددة وآفاق اقتصادية واعدة ، تراعى الحاجات التنموية والخصوصيات

المحلية للاقتصاد الريفي للمنطقة ، وتسعى فى الوقت ذاته إلى تطوير وعصرنة البنى التحتية وتعزيز وتوسعة المنشآت الخدمية الضرورية فى مجالات التعليم والصحة والماء والكهرباء والزراعة ، وتعميق الاستفادة من قطاع الثروة الحيوانية ؛ العمود الفقري للاقتصاد المحلي.

لقد عاشت هذه الولاية ردحا من الزمن على هامش التنمية ، وعرفت إهمالا من أغلب الأنظمة المتعاقبة والنخب الحاكمة التى كانت تنظر إليها كخزان بشري انتخابي ، تتم مكافأته بتسمية أحد أبنائه وزيرا أول ، وذلك هو حظها العظيم من كعكة التنمية ، فى ظل غياب تام للمنشآت الصحية والمؤسسات التعليمية والمرافق الخدمية والطرق والبنى التحتية…

وقد تكون لعنة الجغرافيا والبعد عن المركز (نظرية المركز والأطراف ) من ضمن أسباب ماتعيشه الولاية من تخلف تنموي ، وشح فى الموارد وندرة البرامج التنموية الموجهة إليها ، وهي اليوم تحتاج إلى لحظة مراجعة ووقفة ” إنصاف ” من خلال اجتراح ” هامش من التنمية ” وتوجيهه إلى “تنمية الهامش “…

وبالنسبة لأطر الولاية وأبنائها ووجهائها وشبابها ، ليس المطلوب فى هذه اللحظة المفصلية الانخراط فى جوقة النشاطات التقليدية ، وحمى تنظيم التظاهرات الكرنفالية ، فالمناسبة تنموية خالصة ؛ لذلك أرجوكم..أرجوكم!..ابتعدوا من فضلكم عن المهاترات السياسية والصراعات العبثية والمناكفات العدمية!..قدموا مقارباتكم الرصينة ورؤاكم المستنيرة بين يدي رئيس الجمهورية وحكومته حول المداخل الصحيحة والمعايير الموضوعية لتنمية ولايتكم..تحدثوا عن خصوصياتها وأولوياتها وحاجياتها..وارتقوا بخطابكم وطروحاتكم..وانسوا أوتناسوا – على الأقل – خصوماتكم وتجاذباتكم ولو إلى حين من الدهر.

إنكم بذلك تسهمون فى بلورة رؤية جهوية لتنمية ولايتكم ؛ تشتغل وفق مقاربات مستقبلية استشرافية، قد لا تجنى فوائدها أوتقطف ثمارها بين عشية وضحاها ، غير أن جملة من المشاريع الهامة سيتم انطلاقها ، لتتواصل المسيرة بخطى واثقة ورصينة ومتدرجة على درب التنمية والازدهار ، وفق نظرة استشرافية عميقة وخطة تنموية محكمة تنتهجها السلطات العليا ، مستعينة بالله العلي القدير ، ومتسلحة بالإرادة السياسية الصارمة والصادقة فى سبيل جعل هذه المنطقة وغيرها من ربوع الوطن الحبيب ؛ فضاء للإنجاز وحاضنة للتنمية.

زر الذهاب إلى الأعلى