البرلمان الذي نريد!/محمد الأمين سيدي ببكر

أيام قليلة وتنقضي المهلة المحددة لإيداع ملفات الترشح للانتخابات النيابية المقبلة (13 مايو 2023) ليبدأ العد التنازلي لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية الذين سيتولون تمثيل الشعب خلال الخمس سنوات المقبلة من عمر الدولة الموريتانية، فما البرلمان الذي نريد؟

قبل تحديد ملامح البرلمان الذي نريد! أو نحتاج بالأحرى؛ لا ضير إن ذكّرنا بأن البرلمان خوله الدستور الموريتاني في مادته الـ45 ممارسة السلطة التشريعية.

كما نصت المادة 56 من الباب الرابع أن “إقرار القانون من اختصاص البرلمان”.

بالإضافة إلى حق تعديل واقتراح القوانين، والمصادقة على السياسة العامة للحكومة ومشاريع قوانين المالية ومتابعة تنفيذها، وكذا حجب الثقة عن الحكومة، وله أن يمدد فترة الأحكام العرفية وحالة الطوارئ، ويرخص في إعلان الحرب.

ومن أجل ممارسة هذه المهام الجسام على الوجه الأكمل نصت المادة 50 (جديدة) من الدستور أنه “لا يرخص في متابعة عضو من أعضاء البرلمان ولا في البحث عنه ولا في توقيفه ولا في اعتقاله ولا في محاكمته بسبب ما يدلي به من رأي أو تصويت أثناء ممارسة مهامه.

كما لا يرخص في متابعة أو توقيف عضو من أعضاء البرلمان أثناء دوراته لأسباب جنائية أو جنحية ما عدا التلبس بالجريمة إلا بإذن من الجمعية الوطنية.

لا يرخص في توقيف عضو من أعضاء البرلمان خارج دوراته إلا بإذن من مكتب الجمعية الوطنية سوى في حالة التلبس بالجريمة والمتابعات المرخص فيها أو حكم نهائي بشأنه.

يعلق اعتقال عضو البرلمان أو متابعته إذا طلبت ذلك الجمعية الوطنية”.

هذه الحصانة التي أعطى المشرع الموريتاني للنائب البرلماني كانت كفيلة بجعل ولائه الأول والأخير للوطن والوطن فحسب، غير أن مسلكياتنا السياسة الشاذة أفرزت نوابًا ليسوا على المستوى وآثروا التخندق السياسي والطاعة العمياء للحاكم ولو على حساب الوطن.

ولا أدل على ذلك من إجازتهم لاتفاقيات أجمعوا فيما بعد – حين تغير الحاكم – على جورها بحق الوطن وخطورتها عليه، وكذا مطالبة جلهم بالاعتدال على المواد المحصنة من الدستور، إضافة إلى عشرات القروض متوسطة وطويلة المدى، التي أثقلت كاهل الدولة الموريتانية وستدفع أجيالها المستقبلية ثمنها باهظا دون أي وجه حق.

كثيرون منا اليوم يدركون حجم الكارثة التي أوقعتنا فيها المراهقة السياسية وتغليب المصالح الشخصية والولاءات القبلية والحزبية على المصالح الوطنية، وبعضنا أبدى امتعاضه خلال السنوات الماضية من سوء أداء بعض أعضاء الجمعية الوطنية، خلال المأمورية المنصرمة والمأموريات الماضية، لكن قليلون منا من يمتلكون الجرأة على مراجعة خياراتهم الانتخابية، وحتى محاسبة أنفسهم ولو بسؤالها – على الأقل – عن المعيار الذي اختارت على أساسه ممثليها في الجمعية الوطنية.

صحيح ليس من أدوار البرلمان تعطيل عمل الحكومة، لكن ليس من دوره أيضا إثبات الولاء لها، ولامسايرتها في كل صغيرة وكبيرة خصوصا إذا لم تكن الأصلح؛ إن لم نقل لصالح للوطن، بل يجب عليه الوقوف في وجهها إن تعارضت سياساتها مع المصالح العليا للبلد، وحجب الثقة عنها إن هي تمادت في ذلك، وإلا لما أعطاه المشرع تلك الصلاحية.

للأمانة، كان من بين أعضاء الجمعية الوطنية رجال لم تلههم موالاتهم ولا تحزبهم عن أداء واجبهم البرلماني، تصويبا واقتراحا ورقابة وحتى اعتراضا إن تبينت مجانبة بعض المشاريع الصواب.

لكن أيضًا كان هناك نواب “نوائب” يسيئون للجمعية الوطنية والعمل البرلماني، ويستوجبون الشفقة على مجتمع يختارهم على علاتهم الكثيرة لتمثيله وتقرير مصيره.

كما كان هناك آخرون لا يهمهم البرلمان ولا العمل البرلماني بقدر ما يهمهم الحصول على حصانة برلمانية وجواز سفر دبلوماسي لتسهيل أنشطتهم التجارية التي قد لا تخلو هي الأخرى من شبهات الفساد والغش وحتى التهرب الضريبي.

وفي المحصلة، نكون أمام جمعية وطنية أغلب أعضائها ما بين أشخاص غير مؤهلين للقيام بمهامهم التشريعية والرقابية، وآخرين غير مهتمين بالعمل البرلماني ومنشغلين عنه بأنشطتهم الشخصية.

وهو ما يستدعي منا اليوم جميعا الوقوف في وجه الظواهر السلبية التي أفرزت هذا الواقع، غير المرضي، واختيار الأصلح والأجدر بتحمل المسؤولية التشريعية والرقابية على العمل الحكومي الذي لا تنقصه الشوائب.

فالعمل البرلماني يحتاج الكثير من المواظبة والتفرغ لدراسة المشاريع والانخراط في عمل اللجان البرلمانية، مع الحد الأدنى من الأهلية المعرفية والأخلاقية لذلك.


ونحن اليوم نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى برلمان قوي يفرض على الجهاز التنفيذي ترشيد موارد الدولة وتحسين استغلالها، فليس طبيعيا أن يجيز برلمان كلما يأتيه من الحكومة ولو تبين فساده، ويرفض كلما يقترح بعض أعضائه ولو تبين صلاحه لمجرد انتمائهم السياسي، فالمشرع ولاؤه يجب أن يكون للوطن والصالح العام قبل أي شيء آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى