على هامش الأحداث… الجدارة هي الحل/محمد فال ولد بلال_دبلوماسي ووزير سابق

كثر الحديث بين أمس واليوم عن “الأجانب” و”المقيمين”، و”الخارج” واحتمال التدخل في شؤوننا الداخلية. وانقسم الناس ما بين مؤيد للفكرة ومعترض عليها. وقد يفوتُ على هؤلاء وأولئك أن موريتانيا تشكل منذ زمن بعيد منفذا على البحر وممرا سهلا للهجرة السرية نحو أوروبا، واليوم مع اكتشاف الغاز وبداية التعدين الأهلي واستغلال الذهب أصبحت وجهة مقصودة لذاتها. لا شك أن موقعها الاستراتيجي هذا من شأنه أن يضيف إلى مشاكلها العادية مشاكل تسيير جاليات أجنبية كبيرة على أرضها وتجمعات واسعة من المهاجرين والعابرين الشرعيين وغير الشرعيين. زد على ذلك أنها دولة تعيش في عالم متشابك يجعل الخارج، شئنا أم أبينا، عاملاً مؤثراً في شؤونها الداخلية كما يجعلها هي تؤثر أيضا في شؤون غيرها. وقبل أن يقال بأني أبرر التدخل الخارجي، أسارع فأفرق بين أعمال السيادة التي لا تقبل مساومة أو تدخلاً، وأعمال السياسة التي لا ينبغي الحسم فيها داخليا دون النظر في تأثيراتها المحتملة على الخارج عموما والجوار خصوصا.

في هذا السياق، علمتني الحياة بأن العالم من حولنا، القريب منه والبعيد، ينظر إلى بلدنا نظرة مزدوجة وغامضة يصعب تحديدها والتعامل معها بدقة. فهو لا يريد لموريتانيا أن تنهار، لكنه لا يريد لها أيضاً أن تنطلق. لا يريد لها الفشل، ولا يريد لها النجاح. إن دول المنطقة ومعظم الدول المؤثرة في العالم لا تريد لبلدنا أن يسقط ولا تريد له أن ينهض. وهو موقف لا علاقة له بالصداقة أو الكراهية، وإنما يتعلق بحسابات ومصالح داخلية وتجاذبات وتوازنات إقليمية ودولية معقدة. من واقع التجربة، أقول إن معظم دول الجوار وشركائنا لا يريدون زعزعة الأمن والاستقرار في بلدنا أو انهيار اقتصاده أو انفجار القلاقل في داخله، وذلك ليس حبا فيه، وإنما لحاجتهم في الاستفادة منه، ومن دوره بمنطقة الساحل الملتهبة، وإسهاماته في محاربة الهجرة السرية والعنف والغلو والاتجار بالبشر والمخدرات. لن يريدوا لنا السقوط إلى الهاوية، لكنهم لن يساعدونا لنقف فوق المستوى الذي يريدوه لنا.

مقتضى القول، إننا نعيش وسط شركاء دوليين يتفاعلون معنا بحذر وبما يخدم مصالحهم. فمن يساعدنا يساعدنا بمقدار لكي يمنع تدهوراً قد يرتد عليه، ويحول دون نهوض قد يدفع ثمنه لاحقا. والجميع يدرك تماما خطورة زعزعة أمن موريتانيا على أمن واستقرار المنطقة كلها، ويعي أهمية أن تبقى واقفة وقادرة على أداء أدوار إقليمية يصعب على الآخرين تأديتها في الحاضر والمستقبل المنظور… وبين هذا وذاك، على الدولة الموريتانية أن تعتمد على نفسها وشعبها وخيراتها، وأن تطور وتعزز مكاسبها في مجال الحريات وحقوق الانسان. ولكن، عليها أن تركز أكثر من ذلك على “الجدارة” و”الإنجاز” (mérite, achèvement, performance) في تسيير الموارد البشرية والمادية، ومحاربة الفساد. نظام الجدارة هو الحل! يعتمد على الكفاءة، ويبدأ بمراجعة كل النصوص والقواعد والمعايير الإدارية المعمول بها فيما يتعلق باكتتاب الموظفين والوكلاء في أي مجال من المجالات، والتكوين والتدريب الدائم والتأهيل، ومراقبة ومحاسبة المسؤولين بلا هوادة. ذلكم هو السبيل الأوحد للحفاظ على هيبة الدولة وفعّاليتها، والرّابطة الأقوى والعروة الوثقى التي تجعل المواطن يخاف منها وعليها خوف “إشفاق” و”ثقة” و”احترام”، وليس خوف “هلع” و “رعب” و “إرغام” كما كان لمدة عقود؛ خوفٌ يتجلى في امتثال أحكام القانون والامتناع عن التعدي على المرافق العامة.

أما مع الخارج، فلا عداوة ولا صداقة.. إنها المصالح فقط!

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى