دبلوماسية الهدوء الناجح/د.أبو بكر احميد_أستاذ جامعي
كان من المُحيّر للاستخبارات الفرنسية خاصة والغربية عامة أن تتابعت أربعة انقلابات عسكرية في أربع دول إفريقية، توصف بالتبعية السياسية والثقافية لفرنسا.
بل إن مما زاد الطين بلة على فرنسا رفع قادة هذه الانقلابات شعار مقاطعة فرنسا ذات التاريخ السيء في إفريقيا، وإعلان الرفض العارم لهيمنتها التاريخية التي مارستها منذ احتلالها لإفريقيا، بل بعد انسحابها الشكلي بمواصلة هيمنتها عبر منظمة الفرانكفورية وإقامة نُظم سياسية في إفريقيا تدين بالولاء لفرنسا وتسهر على مصلحتها أكثر من اهتمامها بنهضة بلدان إفريقيا وشعوبها.
أما ما تحتاجه موريتانيا حقا لمواجهة التقلبات السياسية والأمنية والعسكرية في منطقة الساحل الإفريقي فهو أن تعمّق الاستفادة من سياستها الحالية التي رسمها الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني في السنوات الأربع الفارطة من حكمه، حيث قامت على ما يمكن وصفه بالهدوء المَرِن في مواجهة التحدّيات المحيطة بها، سعيا نحو احتوائها، أو تحييد مخاطرها الجيوسياسية في المدى المنظور.
لقد حدثت تغييرات مهمة وغير متوقعة في منطقة غرب إفريقيا، عمادها الانقلابات العسكرية التي جاءت مفاجئة للحكومة الفرنسية وسفاراتها في إفريقيا، حتى لقد فاجأت مراكز أبحاثها الاستشعارية، التي تعتقد مسحها الكامل للواقع الجيوسياسي للقارة السمراء، واحتكارها بنك معلومات الاستخبارات الغربية عن ماضي إفريقيا وحاضرها ومستقبلها.
وكانت موريتانيا قد جربت من قبل فشل سياسة الدبلوماسية الخشنة، والزج بالجنود الموريتانيين وآلياتهم العسكرية في دول الجوار، ولم تجن البلاد من تلك المغامرات الغبية غير الخيبة واستعداء الجيران والاستهداف المتكرر من تشكيلاتهم العسكرية غير النظامية للمواطنين الموريتانيين.
إن تطوير السياسة الدبلوماسية التي رسمها الرئيس غزواني خلال السنوات الماضية يقوم على جملة أمور مهمة، نوجزها فيما يأتي:
أولا: اليقظة والحذر:
فهما ما يضمن الحضور المُتّزن في الأحداث، والتحكّم في تصويب مآلاتها وآثارها، والتخفيف من أضرارها المتوقعة على المديين القريب والبعيد.
ثانيا: الفاعلية والتزام الحياد البنّاء
ثالثا: تطوير العلاقة التاريخية بالجوار وصونها من المطبات.
رابعا: صون المصالح الوطنية العليا في دول الجوار
خامسا: وضع سياسة أمنية وطنية مستقلة عن فرنسا وسياستها المهيمنة في المنطقة.