بيرام الداه اعبيد: إعلامي بارع أم سياسي بلا مشروع؟ / الأستاذ مولاي محمد الصادق

شهدت اليلة البارحة مقابلة مطولة بثتها قناة الساحل، استُضيف فيها الناشط السياسي والنائب البرلماني بيرام الداه اعبيد، حيث ناقش جملة من القضايا التي تهم المشهد الوطني في بعديه السياسي والاجتماعي، واستعرض رؤاه حول المستقبل السياسي لموريتانيا. إلا أن المتأمل في مضمون هذه الحلقة لا يخرج منها إلا بجملة من الملاحظات النقدية التي تضع خطاب بيرام تحت المجهر، وتثير أسئلة جادة حول حقيقة مشروعه السياسي، إن كان ثمة مشروع أصلاً.

1: بيرام كإعلامي أكثر منه سياسي

الانطباع الأبرز الذي يمكن الخروج به من هذه المقابلة هو أن السيد بيرام يمتلك كاريزما إعلامية عالية تتجاوز بكثير أدواته السياسية. فالرجل يتقن فن الحضور والظهور، ويتمتع بقدرة استثنائية على استخدام اللغة واستدرار العاطفة، وتقديم نفسه كزعيم بديل، دون أن يصاحب ذلك وضوحٌ في البرامج أو ابتكارٌ في الحلول. بل يبدو أحياناً أن خطابه السياسي لا يتعدى إعادة تدوير نفس الشعارات التي لطالما رفعها، مع تغيير طفيف في طريقة العرض.

يشبه بيرام، في هذا السياق، من يجد أمامه سيارة جاهزة متكاملة، فيقوم بتفكيكها ثم يعيد تركيبها، ليقول للجميع إنه هو من صنعها. إنها عقلية إعادة التدوير الإعلامي أكثر منها عقلية بناء سياسي ناضج وممنهج.

2: استثمار التناقضات المجتمعية لا معالجتها

لعل أخطر ما في خطاب بيرام هو ادعاؤه امتلاك حلول جذرية لمعضلات مجتمعية متجذّرة تاريخياً، من قبيل العلاقات بين مكونات المجتمع
حين يقول بيرام إنه هو من سيجعل من البيظان والحراطين إخوة، فهو لا يقدم تصورًا عقلانياً لتجاوز الإشكال، بل يقع في تبسيط فج لمعقّدات تاريخية وثقافية واجتماعية تشكّلت عبر قرون، وهو تبسيط لا يخلو من النزعة الشعبوية والمغالطة النفسية. بل إن هذا النوع من الخطاب لا يسعى إلى الحل بقدر ما يكرّس الوهم ويستثمر في الجراح المفتوحة.

3: بيرام ومكر المخابرات

إن عقلية بيرام كما تظهر من خلال خطابه، أقرب إلى الذهنية المخابراتية التي تتغذى على نقاط الضعف، وتبرع في اختراق الأزمات لا من أجل حلها، بل لاستخدامها أوراقًا تفاوضية في معاركه السياسية. وهنا تظهر مفارقة خطيرة، فالرجل يوهم الآخرين — وربما يوهم نفسه — بأنه المنقذ الوحيد، بينما هو في الواقع يركب موجة مجتمعية وينفخ في جمر الشقاق ليرتقي درجات سلّم السلطة.

ولا يمكن فهم صعود بيرام المفاجئ إلا في سياق ضعف الأنظمة السياسية المتعاقبة، والتي، بشكل مباشر أو غير مباشر، ساهمت في صناعته. وأوضح مثال على ذلك هو ما حدث في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي استفاد من حادثة إحراق الكتب في تجفيف زخم المسيرة المناهضة لحكمه والمطالبة باسقاط نظامه، في حين قدم بيرام – دون وعي أو بدونه – خدمة استراتيجية في لحظة سياسية حرجة، فكان أشبه بما كان أسامة بن لادن للمخابرات الأمريكية: منتَج استخدم ثم تُرك ليتضخم إعلامياً.

4: لا مشروع وطني ولا بدائل واضحة

إن التأمل في مجمل خطاب بيرام يقود إلى خلاصة صادمة: الرجل لا يحمل مشروعاً وطنياً متكاملاً، بل يعتمد على ركوب تناقضات النظام، وأزمات النخبة، وبساطة المواطن، لصياغة سردية شخصية تسوّق له كـ”زعيم شعبي”. لكنه، في العمق، يكرّس الانقسام لا الوحدة، ويقتات على ضعف المؤسسات بدلاً من المساهمة في بنائها.

إن بيرام، في ضوء كل ما سبق، ليس سياسيًا بالمعنى البنّاء للمصطلح، بل هو أقرب إلى ناشط إعلامي بلبوس سياسي، تحركه النزعة الشخصية للسلطة أكثر مما تحركه قضايا التغيير الحقيقي. خطابه محفوف بالشعبوية، يفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية، ويستغل هشاشة البنية السياسية والاجتماعية للدولة من أجل تسويق نفسه بديلاً، دون أن يقدّم أدنى مؤشرات على أنه يمتلك ما يؤهله فعلاً لبناء وطن موحد.

زر الذهاب إلى الأعلى