
وداعًا للحقن.. “كبسولة آلية” لتوصيل الأنسولين إلى القناة الهضمية
الكبسولة الجديدة تصلح لتوصيل معظم الأدوية.. سواء كان الدواء في صورة مسحوق أو جسيمات صلبة أو سائلة
لماذا يُضطر الأطباء إلى وصف الحقن بدلًا من الأقراص؟ سؤال ربما خطر على بال أغلب –إن لم يكن كل- مَن تجبرهم ظروفهم المرضية على تلقِّي علاجٍ بالحقن.
فعلى الرغم من أن إعطاء الدواء عن طريق الفم هي الطريقة الأكثر شيوعًا وفاعليةً من حيث التكلفة، إلا أن بعض الأدوية -وبخاصة الأدوية البروتينية وبعض أنواع الهرمونات- لا يُمكن أخذها عن طريق الفم؛ إذ تتسبب أحماض المعدة في تدميرها تدميرًا شبه كامل، كما لا يُمكن امتصاصها جيدًا؛ فلكي يصل الدواء إلى هدفه، يجب أن يتغلب على البيئة الحمضية القاسية للمعدة، التي تُدمر الغشاء الخارجي للدواء، وأن يذوب في السائل المعوي، ويستقر بين البكتيريا المعوية ويخترق حاجز المخاط اللزج.
لكن بعض أنواع الأدوية -كالأنسولين اللازم لعلاج مرض السكري، والفانكومايسين وهو مضاد حيوي شائع للبكتيريا الخطيرة- لا يُمكن استخدامها عن طريق الفم إطلاقًا، لذا يلجأ الأطباء إلى استخدام طُرق بديلة -كالحقن- في محاولة لتوصيل الدواء.
والآن، تمكَّن باحثون من تطوير كبسولة آلية يُمكن أن توصل الدواء إلى القناة الهضمية بفاعلية، وفق دراسة نشرتها دورية “ساينس روبوتيكس” (Science Robotics) اليوم “الأربعاء”، 28 سبتمبر.
تشير “شريا سرينيفاسان” -الباحثة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والمؤلفة الأولى لتلك الدراسة- إلى أن “الكبسولة الجديدة تصلح لتوصيل معظم الأدوية، سواء كان الدواء في صورة مسحوق أو جسيمات صلبة أو سائلة”.
وتؤكد “سرينيفاسان” في تصريحات لـ”للعلم” أن “الكبسولات الجديدة زهيدة التكلفة، وتتيح توصيل الدواء بكفاءة عالية، كما أنها تختلف عن الكبسولات الأخرى في كونها متوافقةً حيويًّا مع الكائن الحي”.
استلهم الباحثون تصميم الكبسولة من شفرات مراوح التوربينات الخاصة بتوليد الكهرباء، فبمجرد استقرار الكبسولة في المعدة، تدور الكبسولة من خلال ميزات سطحها المُصممة خصوصًا للتفاعل المباشر مع الثنيات المعوية الدقيقة.
وفي أثناء دوران الكبسولة، يُتيح غشاؤها الخارجي الذي يبلغ سُمكه أقل من مليمتر واحد الاتصال الأمثل مع الثنيات التي تبلغ المسافات بين كل واحدةٍ منها والأخرى أقل من 10 مليمترات، ويعمل تصميم سطح الكبسولة الخارجي -الذي يحتوي على مسامير دقيقة للغاية لا يزيد طولها على 300 ميكرومتر- على زيادة التلامس مع سطح الغشاء المخاطي.
ومع كل دوران للكبسولة، تتآكل منها طبقة تلو الأخرى، فتترسب جزيئات الدواء رويدًا رويدًا داخل القناة الهضمية، وتظل عملية دوران الكبسولة نشطةً لمدة 35 دقيقة تقريبًا ثم يتم التخلُّص منها عبر التغوُّط.
ويضمن تصميم الكبسولة اعتباراتٍ عمليةً لتمكين الاستخدام المتنوع، فعلى سبيل المثال، يتم وضع حمولة الدواء في أحد طرفي الكبسولة، مما يسمح للصيادلة باستخدامها بسهولة ويمكِّنهم من تحميل أي دواء من اختيارهم، بالإضافة إلى ذلك، يمكن ضبط حساسية الأس الهيدروجيني لـلكبسولة بغية استهداف أجزاء أخرى من الجهاز الهضمي عن طريق تعديل خصائص الغشاء القابل للذوبان.
لتقييم فاعلية الكبسولة في تسهيل توصيل الأدوية، استخدم الباحثون عقاقير الببتيد النموذجية لأدوية “فانكومايسين” و”الأنسولين”.
في الخنازير المخدرة، تم عزل أجزاء من الأمعاء الدقيقة أولًا لتكون بمنزلة مواقع اختبار مستقلة، وتم وضع الكبسولة الجديدة أو حبوب تقليدية تحمل 100 مجم فانكومايسين في كل قسم من أقسام أمعاء الخنازير الدقيقة، وبعد ذلك تم تقييم نفاذية الفانكومايسين من خلال جمع الدم الوريدي من الضفيرة المساريقية بالأمعاء من كل قسم.
وجد الباحثون أن تركيز دواء “فانكومايسين” زاد زيادةً تقترب من 10 أضعاف التركيز مقارنةً بالحبوب العادية، وبالمثل، اختبر الباحثون عقار الأنسولين بالطريقة نفسها، وأعطى الاختبار النتائج نفسها.
تقول “سرينيفاسان”: توضح الدراسة التي استغرقت عامًا كاملًا فائدة الكبسولة الآلية في تعزيز امتصاص الدواء عن طريق الفم من خلال توصيل الدواء الموضعي وزيادة تشتُّت الدواء وآليات إزالة المخاط، فقد أظهر كلٌّ من الاختبار خارج الجسم الحي وفي الجسم الحي باستمرار زيادة أكبر من 10 أضعاف في نفاذية الدواء لنماذج أدوية الجزيئات الصغيرة والببتيد.
والجدير بالذكر أن توصيل الأنسولين باستخدام الكبسولة الآلية أدى إلى امتصاص تدريجي أكثر مقارنةً بالديناميكا الدوائية للحَقن تحت الجلد أو داخل الأوعية الدموية، والتي قد تكون ميزةً مفيدةً للعديد من الأدوية التي تتطلب إطلاقًا تدريجيًّا أو مستدامًا، كما أدى توصيل الأنسولين بالكبسولة الآلية أيضًا إلى انخفاض مستويات الجلوكوز في الدم في جميع الحيوانات، حتى إنه تسبَّب في نقص السكر في الدم غير المتوقع في 3 من أصل 7 حيوانات.
ويُثبت ذلك الأمر قدرة الكبسولة الآلية على تمكين التوصيل الفموي للجزيئات التي لم تشهد سابقًا نجاحًا كبيرًا عند تناوُلها عن طريق الفم.
وعلى عكس الأنظمة الحاملة للأدوية الأخرى، مثل التركيبات القائمة على الدهون أو الجسيمات النانوية، لا ينتج عن الكبسولات الآلية الجديدة أي مخاوف تتعلق بالتوافق الحيوي، إذ تظل مكوناتها غير الحيوية داخل جسم الكبسولة، وتمر عبر الجسم بعد تسليم الدواء.
المصدر https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/robotic-capsule-deliver-drugs-to-gut/