العلماء يخترعون بطارية ورقية تعمل بالماء!
بطارية جديدة غير قابلة للشحن مصنوعة من الورق ومواد مستدامة أخرى.. ولا يحتاج تشغيلها سوى بضع قطرات من الماء
يومًا بعد يوم، تتراكم تلال من الأجهزة الإلكترونية القديمة والمستهلَكة -التي تُعرف باسم “النفايات الإلكترونية”- حولنا، الأمر الذي يدفع الباحثين إلى اكتشاف طرق مبتكرة للتقليل من كم هذه المخلفات، والآن، تمكّن فريق من العلماء من ابتكار بطارية غير قابلة للشحن تعمل بالماء ومصنوعة من الورق وغيره من المواد المستدامة.
تعُج مكبات النفايات من حولنا ببقايا الأسلاك والشاشات والبطاريات التي تتكون منها أجهزتنا الإلكترونية، فضلًا عن البلاستيك والمعادن وغيرها من المواد الأخرى المغلِّفة لهذه الأجهزة، وأحيانًا تكون هذه النفايات الإلكترونية كبيرة الحجم، مثل الهواتف القديمة القابلة للطي، ومكيفات الهواء، وأجهزة الراديو، وغيرها الكثير من الأجهزة الإلكترونية واسعة الانتشار، لكن هناك نفايات إلكترونية أخرى أكثر خطورةً تحتوي على بطاريات غير قابلة للشحن، مثل أدوات التشخيص الطبي الإلكترونية أحادية الاستخدام، وأجهزة الاستشعار البيئية، ورقاقات التتبُّع عن طريق الراديو، وغيرها من المعدَّات.
يقول ديلي أوجنسايتان، أستاذ الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا بمدينة إرفاين الأمريكية، والباحث في مجال التكنولوجيا البيئية، ومستشار كبرى شركات التكنولوجيا، والذي لم يشارك في ابتكار البطارية الورقية: “تتسبب البطاريات الصغيرة في مشكلات كبيرة، إذ لا يهتم أحد بمآلها بعد انتهاء صلاحيتها”.
ويعكف الآن الباحثون في «مختبر المواد السيليلوزية والخشبية» التابع لـ«المختبرات الفيدرالية السويسرية لعلوم وتكنولوجيا المواد» (Empa) على حل هذه المشكلة التي لا تحظى باهتمامٍ كبير، وقد نشر هؤلاء الباحثون خلال هذا الأسبوع بحثًا في دورية «ساينتفك ريبورتس» Scientific Reports قدّموا فيه هذه البطارية الورقية الجديدة التي تعمل بالماء، والتي ابتكروها من مواد صديقة للبيئة، وقد تصبح هذه البطارية فيما بعد بديلًا مستدامًا للبطاريات الجافة الأكثر خطورة، والتي يشيع استخدامها حاليًّا في الأجهزة منخفضة استهلاك الطاقة.
تحتوي البطارية الورقية الجديدة على المكونات الأساسية للبطاريات العادية، ولكنها مجمّعة على نحوٍ مختلف، وكما هو الحال مع البطاريات الكيميائية، تتكون البطارية الجديدة من قطب موجب الشحنة يُسمى “المهبط”، وقطب سالب الشحنة يُسمى “المصعد”، وبينهما مادة موصلة للكهرباء تُسمى “الإلكتروليت”، بالإضافة إلى طبقة بلاستيكية أو معدنية تغلِّف هذه المكونات، أما في البطارية الجديدة، فالمصعد والمهبط عبارة عن أحبار مطبوعة على الجزء الأمامي والخلفي لقصاصة ورقية مشبعة بالملح الذي يذوب بمجرد ترطيب الورقة بالماء، إذ يؤدي المحلول الملحي الناتج عن هذه العملية دور الإلكتروليت.
وكان الباحثون منذ بداية التجربة قد قرروا الاكتفاء بالمواد المستدامة، إذ اختاروا مكونات جهازهم الجديد من بين عدد من المواد المتوافرة وغير السامة، ويقول جوستاف نيستروم، مدير «مختبر المواد السيليلوزية والخشبية»، والمؤلف الرئيسي للبحث: “كنّا على ثقة كبيرة بأننا سنتوصل في النهاية إلى اختراع فعال، ولكن ابتكار هذه المواد والأنظمة الحبرية لم يكن مهمةً سهلةً على الإطلاق”، وبعد إجراء التجارب على مئات التصورات الممكنة لمكونات الجهاز، استقر العلماء على استخدام أحد أنواع حبر الجرافيت للمهبط، وأحد أنواع حبر الزنك للمصعد، وورقة مشبعة بالملح تؤدي وظيفة الإلكتروليت، وعندما تكون الورقة في حالتها الجافة، يمكن تخزين البطارية لفترات طويلة، ولكن بمجرد إضافة بضع قطرات من الماء، يذوب الملح المخزون ويسمح بانتقال الإلكترونات، وبعد أن تبتلّ الورقة، تحتاج البطارية إلى حوالي 20 ثانيةً لتبدأ في العمل، منتجةً تيارًا كهربائيًّا ثابتًا قوته 1.2 فولت، يستمر حتى تجف الورقة تمامًا، (على سبيل المقارنة، تنتج البطارية التقليدية مقاس AA تيارًا كهربائيًّا قوته 1.5 فولت)، وعندما أعاد الباحثون ترطيب الورقة بالماء، أنتجت البطارية تيارًا كهربائيًّا قوته 0.5 فولت لمدة أخرى استمرت أكثر من ساعة.
ورغم أن الباحثين قد أثبتوا أن البطارية التي ابتكروها قادرة على تشغيل ساعة بمنبه، فإنهم لا يتوقعون أن تحل هذه البطاريات الورقية محل البطاريات التقليدية مقاس AA المتداولة حاليًّا، ولكن نيستروم يرى إمكانية استخدام هذه البطاريات في المستقبل في أجهزة الفحوص التشخيصية، وأجهزة الاستشعار البيئية، ويأمل في الوقت ذاته أن يتواكب ذلك مع الاستعانة بمكوناتٍ مستدامة أخرى في الأجهزة الإلكترونية، مثل الشاشات والأغلفة الخارجية، وهكذا، فربما يكون المستقبل الذي نتطلع إليه غير بعيد.
من الصعب توقُّع إطار زمني لتصنيع مثل هذه الأجهزة على نطاق واسع، إلا أن نيستروم يقول إنه يتواصل مع شركاء محتملين في مجال الصناعة، ويعتقد أن هذه البطاريات يمكن أن تكون متوافرةً في غضون مدة تتراوح من عامين إلى خمسة أعوام، يقول نيستروم: “أظن أن الأداء الذي حققته هذه البطارية حتى الآن كافٍ بالفعل لتشغيل كثير من هذه الأجهزة”، ولهذا فإن الأمر يتوقف -في المقام الأول- على توسعة نطاق الإنتاج ودمج هذه البطاريات داخل أنظمة مثل أجهزة الفحوص التشخيصية وأجهزة الاستشعار البيئية.
يقول نيستروم إن فريقه ابتكر هذه البطارية دون الإخلال بمعايير الاستدامة، مضيفًا: “إن نقطة الانطلاق لهذا المشروع كانت الرغبة في الاستفادة من المواد المستدامة”، وإن “هذه البداية هي التي قادتنا إلى هذا الابتكار النافع”.