ولاتة وتيموثي كليفلاند والطفل محمود..
يحاجج الباحث الأمريكي تيموثي كليفلاند، منطلقا من النموذج الولاتي، ضد السردية الكولونيالية المؤسسة على كتابات اليدالي، وما تصم به التاريخ الاجتماعي للصحراء من رتابة وجمود.
يتتبع كليفلاند في كتابه Becoming Walata: A History of Saharan social Formation and Transformation وفي عدة مقالات عن المرأة الولاتية وحسوة ابن عبد الوهاب تاريخ هذه المدينة من أيام الماندينغ، حين كانت تدعى “بيرو” ثم “إولاتن”، قبل أن تتعرب لتصبح ولاتة.. يشدد كليفلاند، مستعرضا مسار الهجرات والصراعات في المدينة، على التغير المطرد لهوية ولاتة والتحولات المستمرة لانتماءات سكانها تبعا لذلك. ويرى أن هذه الهوية استطاعت أن تقدم جسرا عابرا للتراتبية والتصنيفات المعهودة في الصحراء بين مشتغلين بالعلم وحملة للسلاح، عبر ظاهرة “الهجرة” المؤسسة على النموذج النبوي.
غادر كليفلاند ولاتة في التسعينيات بعد أن جمع سردياتها واستمع لآخر الناطقين بلسان آزير فيها، وأعاد لها من تنبكتو مصنفا من مصنفات الطالب بوبكر كان قد فقد من مكتبته..
سنوات بعد ذلك، وفي غمرة تحولات أخرى، رأى محمود ولد الديه النور.. ومحمود عصارة لتاريخ كليفلاند عن المدينة وللتمازج بين الماندينغ والناطقين بالحسانية وآزير، فجدته لا تزجره غاضبة إلا بالبمبارية، وجده كان من آخر الناطقين بآزير.. ولا يبدو محمود أقل اهتماما بتراث ولاتة من كليفلاند، فهو عارف بتفاصيل المدينة القديمة ودورها وأزقتها وأعلامها.. يتعهد أضرحتها بالزيارة في الجمعات، وقد وعدني بالتماس البركة هناك عند أول زيارة..
محمود ولاتي ودود حفي بالزوار، لكنه يبدو برما بالنازحين إلى ولاتة من الأرياف.. لا يعترف بولاتيتهم.. “الرحَّـالة”، كما يطلق على البدو هنا، وانمادي غرباء بالنسبة لمحمود، ويفرض على أطفالهم ما يفرضه أطفال المدينة على نظرائهم النازحين من إتاوات.. يستنكر محمود على هؤلاء ما يراه اهتماما مبالغا فيه بقطعان الأنعام، والتهاون بأشياء أخرى..
ومحمود، خارج أوقات الدراسة والنظر في هوية ولاتة والضجر بالنازحين، راقص لا يشق له غبار على أنغام أم ازغيبة.. ها هو ذا يركض برجليه وقد استبد به الحنين إلى ولاتة من دون غرباء..
قدر ولاتة، يا محمود، أن ينزح منها أناس، ليقطنها آخرون.. لقد جفت ممالح تغازة من جديد واستباحت فاغنر ذهب بلاد السودان..
Baba AgMaouloud