العراق يشهد أكبر كرنفال ثقافي للتشجيع على القراءة
شهدت العاصمة العراقية بغداد و6 محافظات أخرى فعاليات المهرجان السنوي “العراق يقرأ” في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بمشاركة كبيرة من مختلف الشرائح.
وكانت النسخة الأولى من المهرجان أقيمت عام 2013 بمبادرة من كتاب ومثقفين وناشطين وبمشاركة دور نشر بهدف الحفاظ على قراءة الكتب الورقية، وذلك من خلال توزيع آلاف الكتب مجانا على زوار المهرجان.
رسائل وأهداف
ويجري مهرجان هذا العام بإشراف 3 مؤسسات، وهي مؤسسة ملتقى الكتاب للثقافة والتعليم في الموصل، ومؤسسة إنجاز في البصرة، ومؤسسة “أنا عراقي.. أنا أقرأ” في بغداد والمحافظات الست الباقية، وبدعم من الوكالة الأميركية للتنمية “يو إس إيه آي دي” (USAID)، وفق المدير التنفيذي لمؤسسة ملتقى الكتاب للثقافة والتعليم بالموصل حارث ياسين.
ويضيف ياسين للجزيرة نت أنه تم في مدينة الموصل توزيع 8 آلاف كتاب مجانا، بالإضافة إلى تنفيذ الكثير من الفعاليات والأنشطة، مشيرا إلى أن هدف المهرجان هو رفع مستوى القراءة في محافظة نينوى وتوعية الناس بأهمية الكتاب والقراءة.
ويتابع “كنا سابقا نسمع أن القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، نتمنى أن يرجع ذلك الزمن وتكون هذه الأجيال مطبقة لهذه القاعدة الموجودة على مستوى الوطن العربي، وفي العراق تحديدا”.
ويشير ياسين إلى أن المهرجان متزامن في المحافظات، لكن برامجه مختلفة من محافظة إلى أخرى، وأطلقت وسوم مشتركة بين جميع المحافظات في مواقع التواصل بعنوان “العراق يقرأ”، و”تراثنا هويتنا” للتركيز على أهمية القراءة والمعرفة.
ويعتبر أن للمهرجان رسائل عديدة، منها مطالبة وزارة التربية بتوفير الكتب المدرسية وغيرها من المستلزمات الأساسية التي تفتقدها المدارس رغم مرور نحو شهر على انطلاق العام الدراسي، ورسالة أخرى إلى الجامعات التي يجب أن تتطور بشكل أكثر وتتناسى مخلفات الحرب، وأن تكون لديها مراكز ومختبرات تنافس مراكز البحوث الدولية.
ويؤكد ياسين أن هذه المهرجانات أسهمت كثيرا في تعزيز أواصر الأخوة بين المكونات، وأن نجاح مهرجان “العراق يقرأ” سيشجع الشباب على القراءة من خلال العديد من النشاطات المحفزة على القراءة والثقافة والمعرفة، باعتبارها ركنا أساسيا من أركان تنمية المهارات وتطوير الذات.
وعن مصدر الكتب المعروضة في المهرجان، يقول مدير مؤسسة ملتقى الكتاب إن بعضها تم شراؤها، والجزء الأكبر منها تم تأمينه من اتحاد الأدباء والكتاب في مدينة الموصل وفي بغداد أيضا وبمشاركة العديد من دور النشر، وكذلك من متبرعين على المستوى الشخصي.
صورة إيجابية
من جانبه، يقول المتطوع في تنظيم المهرجان بالأنبار نور الدين الحمداني إن مهرجان “العراق يقرأ” يعتبر إحدى أهم الفعاليات التي تشجع على التواصل المجتمعي وبناء السلام.
ويضيف الحمداني في حديث للجزيرة نت أن هذا المهرجان ينقل صورة إيجابية عن محافظة الأنبار من خلال هذه الأنشطة والفعاليات الخاصة بتعزيز الثقافة ورفع الوعي.
ويوضح أن المهرجان يشجع على القراءة بعد جمع الكتب من أشخاص مختلفين من محافظات مختلفة يتبرعون بها بعد إتمام قراءتها، وهم بدورهم يتبرعون بها في المهرجان القادم بعد إتمامها، لتستمر عملية القراءة والعطاء والتواصل بين الأشخاص.
وبشأن أبرز اهتمامات الشباب، يقول الحمداني “كل شاب له اهتمامات مختلفة من الكتب، لكن كتب التنمية البشرية والروايات والشعر والكتب الثقافية بصورة عامة هي التي تشد الشباب هذه الأيام، خاصة الكتب التي تزيد الوعي أو تفتح آفاقا للشباب”.
ويعتقد أن العراقيين لا يزالون يتمسكون بالقراءة، إذ توجد أماكن مخصصة للقراءة مثل شارع المتنبي في بغداد، أو شارع الفراهيدي بالبصرة، وملتقى شباب الأنبار الثقافي في الرمادي وغيرها من الأماكن المختلفة، ورغم انتشار الكتب الإلكترونية فإنها لا تعوض الكتب الورقية ومتعة قراءتها.
إحياء الكتاب
بدوره، يتساءل الكاتب عامر كاظم مطلك -وهو أحد المهتمين بالمهرجان- “ماذا يعني أن نحتفي بالقراءة والكتاب وننظم مهرجانا محفوفا بدعاية كبيرة في الوقت الذي تهيمن فيه الصورة والميديا بشكل عام على كل مفاصل التلقي؟”.
ويجيب عن تساؤله خلال حديثه للجزيرة نت بالقول “ربما سيكون هناك جواب تقليدي، هو إعادة الروح للكتاب بعد أن فقد بريقه وصدارته من اهتمام المتلقي، وستكون هذه الملتقيات فرصة لإحيائه من خلال الضخ المجاني للكتب عبر مهرجان كرنفالي كبير ستكون فيه السيلفيات حاضرة أكثر من حضور شغف القراءة”.
ويرى الكاتب أن هذه المهرجانات “مصدر لصناعة البهجة عبر لقاءات مفرحة وسعيدة، فهي يمكن أن تخلق عصفا ذهنيا لإعادة التفكير بكثير من القضايا، ولعل أهم هذه القضايا هي صناعة الشغف بالمعرفة وإعادة النظر بمفهوم القراءة بشكلها التقليدي عبر فرص التواصل مع مثقفين وقراء لديهم خبرة كبيرة في التعامل مع الكتب والتحولات المعرفية”.
وقال مطلك إن هذا المهرجان يقام للمرة الثالثة في مدينة العمارة، مضيفا “بالتأكيد هناك فرق على مستوى التنظيم وعلى مستوى كميات الكتب التي توزع بالمجان، ففي عام 2013 تم توزيع ألفي كتاب، وعام 2018 تم توزيع 8 آلاف كتاب، وفي نسخته الحالية وزعت 10 آلاف كتاب”.
ويشير إلى أن هناك خبرة تراكمت بالتعامل مع الجمهور في التوزيع وفي طريقة إدارة المهرجان، وأن ما يميز هذه السنة عن غيرها -وفي محافظة ميسان تحديدا- أنها فتحت نوافذ عدة إضافة إلى ما هو معتاد.
ولعل أهم هذه النوافذ -يتابع مطلك- هي إتاحة فرصة للناشطين في مجال البيئة للمناشدة في إنقاذ أهوار المحافظة التي أصابها الجفاف إلى حد تحولها لساحات مقفرة، إضافة إلى نافذة الأطفال ومسرح الدمى وصناعة البهجة والبسمة وموسيقى وغناء وفعاليات متعددة لعلها ستساهم في إعادة التفكير في صناعة حياة بهيجة.
شخصية المهرجان
وعن شخصية المهرجان هذا العام، يقول منسق المهرجان في محافظة الأنبار عمر الهاشمي إن الموسم الحالي هو التاسع في العاصمة بغداد، لكنه الموسم الأول الذي يكون في 7 محافظات وفي يوم واحد.
ويضيف الهاشمي في حديثه للجزيرة نت أن المهرجان يعمد في كل موسم إلى اختيار شخصية من الشعراء أو الكتّاب الكبار المعروفين ممن لهم بصمة في المجال الثقافي، ويكونون هم شخصيات المهرجان، وكان الشاعر مظفر النواب شخصية هذا العام.
ويقول الهاشمي إن المهرجان قرر هذا العام توزيع كتاب “مختارات من شعر مظفر النواب” ويتضمن أبياتا منتقاة من أشعاره، وتم توزيع 3 آلاف نسخة منها على المحافظات السبع المشاركة في المهرجان.
وكشف عن جمع أكثر من 70 ألف كتاب للمهرجان خلال سنة كاملة، مما يعكس اهتمام الناس وتحمسهم لهذه الفعالية المهمة التي أقامتها 7 محافظات في يوم واحد وساعة واحدة وفكرة واحدة، بين شباب متفقين ومتواصلين ومتماسكين في ما بينهم لتحقيق هدف مشترك.
ويشير الهاشمي إلى أن المهرجان في الأنبار تضمن فقرات وفعاليات متنوعة، منها توقيع كتب ودواوين شعرية، وزاوية مخصصة لأعمال الشاعر مظفر النواب، ومعارض فنية وأغانٍ تراثية ومساحة خاصة للأطفال.