العواصف الرميلة والترابية… أضرار صحية وفوائد بيئية
سماء برتقالية اللون، وتعطيل العمل في الإدارات الرسمية، وتوقف حركة الملاحة الجوية، ومعاناة المئات من مشكلات تنفسية عدة، هكذا بدت دولة العراق خلال أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين.
فقد تعرض العراق لعواصف رملية عنيفة طوال الشهرين المذكورين، الأمر الذي تسبب في تكدس آلاف المصابين في المستشفيات نتيجة تعرضهم للاختناق، وهي العواصف التي امتدت لتصل إلى عدد من الدول الأخرى، مثل الكويت وسوريا وإيران والسعودية والإمارات.
الصحراء الكبرى موطن نشوء أقوى العواصف الرملية
وتضرب العواصف الرملية والترابية منطقة الشرق الأوسط سنويا نظرا لاحتوائها على اثنتين من أكبر الصحارى في العالم، وهما الصحراء العربية الممتدة بين عدة دول خليجية، والصحراء الكبرى الواقعة في الشمال الأفريقي، والتي تعد أكبر صحراء حارة في العالم وأكبر مصدر للأتربة.
ولا تكتفي العواصف الرملية بضرب دول المنطقة فقط، فقد يصل تأثيرها إلى بلدان أخرى عدة، فخلال مارس/آذار الماضي رصدت وكالة “ناسا” (NASA) عواصف ترابية مصدرها الصحراء الكبرى وصلت إحداها إلى بولندا والتشيك والنمسا، وأخرى إلى الدول الإسكندنافية، إذ تنتج تلك الصحراء سنويا ما يزيد على 400 مليون طن من الأتربة تستطيع العواصف حملها لتصل إلى بلدان بعيدة، فتؤثر في كل من البيئة والمناخ.
وتقع هذه الصحراء فوق عدد كبير من الصخور العتيقة التي تنتمي إلى العصر “ما قبل الكامبري”، ويعود منشأ بعضها إلى أكثر من 900 مليون عام، وخلال تلك الأعوام تعرضت هذه الصخور للدفن والإذابة وتغيرت خصائصها بوسائل عدة حتى وصلت إلى سطح الأرض.
ونظرا للطبيعة الجافة وندرة الأمطار وزيادة حدة الرياح في تلك المنطقة فإن تلك الصخور تتآكل باستمرار حتى تصل إلى ذرات صغيرة الحجم فتتكون الرمال والأتربة، وهي ذرات تحمل في طياتها عناصر مفيدة للبيئة.
الأتربة تغذي الغابات والمحيطات وتقمع الأعاصير
وقد أشار تقرير لموقع “ذا كونفرسيشن” (The Conversation) إلى أن حوالي 20% من مجموع الأتربة الصادرة عن الصحراء الكبرى يصل إلى حوض نهر الأمازون، حيث تعمل تلك الأتربة كأسمدة عضوية.
ويوضح التقرير أن الأتربة المنتقلة من الصحراء الكبرى غنية بعنصر الفسفور الذي يعد المغذي الأساسي للنباتات في غابات الأمازون، إضافة إلى احتوائها على البوتاسيوم والكالسيوم والحديد.
وتعمل الأتربة أيضا كأسمدة بحرية، فهي تنتقل بفعل الرياح إلى البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، وتوفر عنصر الحديد المهم للطحالب البحرية، وتعد تلك الطحالب مصدرا غذائيا للعوالق البحرية (Planktonic Organisms).
وتسهم الرياح الترابية في قمع الأعاصير القوية التي تضرب المحيط الأطلنطي، فتلك الرياح تتميز بجفافها الشديد، وهو أمر مغاير لطبيعة الأعاصير الاستوائية التي تتغذى على الهواء الحار الرطب.
العواصف الرملية تؤثر في المناخ وتتأثر به
وتشير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية “دبليو إم أو” (WMO) إلى أن الغبار المحمول جوا يؤدي دورا مشابها لدور الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.
ويمتص الغبار بعضا من أشعة الشمس المارة عبر الغلاف الجوي ويبددها، مما يحد من وصولها إلى الأرض، كما يمتص أشعة الشمس المرتدة من الأرض إلى الفضاء، وتعتمد شدة هذا التأثير على كم الغبار الموجود في الجو وخصائص سطح الأرض.
وفي تقرير منشور بموقع “المنتدى الاقتصادي العالمي” (World Economic Forum) يوضح خبراء المناخ أن زيادة حدة العواصف الترابية بمنطقة الشرق الأوسط تعود إلى التغير المناخي المتمثل في زيادة ارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب الممارسات البشرية التي نتج عنها نقص المساحات المزروعة وزيادة معدل التصحر.
انبعاث الأتربة من الصحراء الكبرى قد ينخفض مستقبلا
وفي محاولة للتعرف على مستقبل انبعاث الأتربة من الصحراء الكبرى تواصلت الجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني مع البروفيسور فرانشيسكو باوزاتا الأستاذ المساعد في قسم علوم الأرض والغلاف الجوي بجامعة كيبيك الكندية، والمهتم بدراسة التغيرات الحادثة في الصحراء الكبرى.
ويوضح باوزاتا أن “نماذج المحاكاة” (Model simulations) تقترح انخفاض انبعاث الأتربة من الصحراء الكبرى بمعدل 10% باتجاه المحيط الأطلنطي، وأشار إلى دراسة في دورية “نيتشر” (Nature) نشرت عام 2016 تفيد بأنه من المتوقع تأثر حركة الرياح بصورة سلبية نتيجة زيادة الاحتباس الحراري، مما قد يحسن جودة الهواء ويزيد فرص هطول الأمطار على الساحل الأفريقي الغربي.
ويضيف أن “زيادة الرطوبة في منطقة الساحل الأفريقي قد تحد من انبعاث الأتربة مستقبلا، وتعمل حاليا هذه الدول على تشجير المنطقة عبر بناء الجدار الأخضر العظيم “جي جي دبليو” (GGW) للحصول على المزيد من الرطوبة”.
وينهي باوزاتا حديثه بالقول “لا بد للعلماء من الاستمرار في دراسة ردود الفعل المحتملة لزيادة رطوبة منطقة الساحل، لأن الدراسات الحالية ما زالت تتجاهل ردود الفعل تلك”.