لماذا يفشل الأذكياء جدا في العمل والحياة وينجح “العاديون”؟

الذكاء الحاد ميزة للإنسان، لكنه ليس كل شيء. فهناك أشخاص أذكياء وغير ناجحين بالقدر الكافي في حياتهم وعملهم، بينما ينجح أشخاص أقل ذكاء منهم بكثير، ويحققون الكثير من الإنجازات التي يفشل بالغو الذكاء في تحقيقها.

فلماذا يفشل الأذكياء جدا بينما ينجح الآخرون؟ وما “الأخطاء الكارثية” وغير المبررة التي يرتكبونها في عملهم وحياتهم، بينما يتفاداها الناس العاديون والأقل ذكاء منهم؟

قد تكون هذه الأسئلة قاسية، ولكنها حقيقية وواقعية، إذ نجد الكثير من الأشخاص بالغي الذكاء يطرحون هذه الأسئلة بألم على أنفسهم، وهم يشاهدون أشخاصا أقل ذكاء بكثير منهم، ولكنهم ناجحون في أعمالهم وحياتهم، بينما يعانون هم من قسوة الفشل والحاجة، ويكافحون كي يفوا بالتزاماتهم العائلية والشخصية. بل قد تجد الكثير منهم فاشلين حتى في حياتهم العائلية، فهم إما مطلقين أو منفصلين أو تخلى عنهم أبناؤهم وزوجاتهم.

هذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن جميع الأشخاص الأذكياء فاشلون. على العكس، هناك الكثير منهم ناجحون جدا في أعمالهم، ويملكون المال والثروة والصحة. ولكن فجأة قد يتصرف أحدهم بطريقة “غير ذكية” للغاية تطيح به وبكل النجاح السابق الذي حققه، وهنا تكمن المشكلة. لماذا يرتكب الأذكياء مثل هذه الأخطاء الكارثية؟

يقول ترافيس برادبيري، رئيس شركة “تالانت سمارت” (Talent Smart) “يكسب الكثير من الأشخاص الأذكياء مزيدا من المال، ويراكمون مزيدا من الثروة، بل ويعيشون عادة لفترة أطول. ولكن هناك جانب آخر للقصة، إذ يتمتع الأشخاص الأذكياء بسمعة ممتازة في ارتكاب أخطاء غبية للغاية، خصوصا في المواقف التي تتطلب التفكير المنطقي السليم”، وفق تقرير لشبكة “بي بي سي” (BBC).

يصف باردبيري الأمر بالقول إن هناك الكثير من الطرق الشائعة التي يتمكن بها الأذكياء من “إطلاق النار على أقدامهم”. ويوضح أن الأشخاص الأذكياء يميلون إلى التصرف من غير تفكير بالعواقب في أحيان كثيرة، بسبب الثقة الزائدة في أنفسهم وقدراتهم، إذ إن “التفكير العقلاني والذكاء لا يميلان إلى العمل جنبا إلى جنب في غالب الأحيان”.

الأشخاص الأذكياء  يعرفون جيدا مدى ذكائهم، إلى درجة قد تصل إلى الثقة العمياء بأنفسهم  (شترستوك)

لماذا يرتكب الأذكياء أخطاء “النقاط العمياء”؟

ويشير برادبيري إلى أن “الأشخاص الأذكياء أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء السخيفة بسبب “النقاط العمياء” (blind spots) في كيفية استخدامهم للمنطق. فهم يميلون إلى الثقة المفرطة في قدراتهم، أي أنهم معتادون على أن يكونوا على صواب دائما، ولديهم إجابات سريعة لكل شيء، وهنا تكمن نقطة ضعفهم الكبرى عندما يتسرّعون في الإجابة عن التحديات التي تواجههم من دون التفكير بروية في عواقب الأمور”.

ويجادل عالم النفس بجامعة واترلو الدكتور إيغور غروسمان بأن معظم اختبارات الذكاء تفشل في فهم عملية صنع القرار في العالم الحقيقي والقدرة على التفاعل بشكل جيد مع الآخرين. بعبارة أخرى، ربما يكون هذا هو سبب قيام الأشخاص “الأذكياء” بأشياء “غبية”، كما ذكرت مجلة “ساينتافيك أميركان” (Scientific American).

من جهته، أمضى البروفيسور سيدني فينكلشتاين، الأستاذ في كلية “تاك” (Tuck) الأميركية للأعمال، 6 سنوات في البحث عن إجابة لسؤال: لماذا يفشل الاذكياء؟ ودرس هو وزملاؤه 51 من أكثر حالات الفشل شهرة في عالم الأعمال، وأجروا مقابلات مع الرؤساء التنفيذيين والأشخاص من جميع المستويات.

ووجد الفريق أن القرارات السيئة التي يتخذها هؤلاء القادة الأذكياء كانت أحيانا متعمدة وأحيانا عرضية، لكنهم جميعا اتبعوا دائما نمطا واضحا من “الغطرسة” التي أدت إلى فشلهم في النهاية، وفق منصة “فوربس” (Forbes).

5 عوامل مشتركة بين الأذكياء غير “الناجحين”

وحدد فينكلشتاين 5 عوامل يشترك فيها جميع الأذكياء الذين لم ينجحوا في حياتهم العملية، وهي:

1- يعتقدون أنهم الأذكى

يعرف الكثير من الأشخاص والقادة الأذكياء جيدا مدى ذكائهم، وتصبح هوياتهم الشخصية مغطاة بذكائهم إلى درجة الثقة العمياء بأنفسهم وقدراتهم، ويتعالون على الاستماع والأخذ بآراء الأشخاص الآخرين، ويتخذون القرارات بسرعة، ويرفضون الإجابة عن الأسئلة عندما يكون هناك سوء فهم. ورغم أن هذا قد يتناسب مع الصورة “التلفزيونية” لقائد قوي، فإن اتخاذ قرارات مهمة في أجزاء من الثانية بحماقة يؤدي غالبا إلى أخطاء كبيرة، إذ تزداد فرصتك في الفشل عندما لا تهتم بمعرفة آراء الآخرين.

2- الهوس بالولاء

يصبح بعض القادة مهووسين بالولاء إلى درجة أنهم يتوقعون دعما أعمى لكل قرار يتخذونه. ويؤدي هذا إلى نفور الموظفين ذوي القيمة العالية، وإسكات الأصوات المخلصة الأخرى التي يمكن أن تساعد الشركة على النجاح. وعندما يبدأ القائد في تفضيل الولاء على أي ميزة أخرى، فإنما يسعى من غير أن يدري إلى تقويض سلطته، وإبعاد الأشخاص الأذكياء الآخرين عن مراكز صنع القرار، ليجد نفسه وحيدا وفاشلا في النهاية.

وهكذا لن يبقى لديه أحد في شركته قادر على قول “لا” في اللحظة التي يحتاج فيها الموقف إلى الجرأة والشجاعة في قول “لا”. وفي الحقيقة لا يبقى حوله سوى أولئك الأشخاص المنافقين الذين يقولون “نعم” في كل موقف.

 3- يعتبرون النجاح أمرا مفروغا منه

لا حرج في وجود شعور صحي بالفخر، لكن هؤلاء القادة اعتبروا نجاحهم أمرا مفروغا منه. لقد أصبحوا مفتونين بأفكارهم إلى درجة الاعتقاد أن منافسيهم لن يلحقوا بهم أبدا، وأن ظروفهم لن تتغير أبدا، ولن تظهر أي مشكلات على الإطلاق. هذه التوقعات غير الواقعية جعلت الفشل أمرا لا مفر منه. هنا، يجب أن يتساءل القادة باستمرار عن وضعهم ومكانهم في السوق ووضع منافسيهم، خصوصا عندما يكونون في القمة.

يحتاج المستثمرون اليوم إلى اليقظة ومتابعة كافة المستجدات،لتحقيق التميز والنجاح في ظل المنافسة القوية.
هؤلاء القادة اعتبروا نجاحهم أمرا مفروغا منه، إلى درجة الاعتقاد أن منافسيهم لن يلحقوا بهم أبدا (شترستوك)

4- أنا الشركة والشركة أنا

كان للقادة، في دراسة فينكلشتاين، هوس خاص بصورة الشركة، وكانوا لا يميّزون بين الشركة وبين ذواتهم الخاصة، وشعار “أنا الشركة” الذي يطن دائما في عقولهم ومخيلتهم، ولهذا كانوا مشغولين للغاية في أن يكونوا واجهة الشركة في كل مناسبة.

لم يؤد هذا إلى الركود وحسب، بل أدى أيضا إلى عدم الأمانة والفساد. وفي كثير من الأحيان كانوا يغضّون النظر عن ملامح الفشل التي بدأت تظهر في الأفق، سواء كانت أرقام مبيعات منخفضة أو منتجات دون المستوى الذي يقدمه المنافسون.

5- العناد غير المبرر

بعض القادة مفتون برؤاه الشخصية إلى درجة أنه على استعداد لدفع الشركة إلى الهاوية أثناء تمسكه بهذه الآراء. ويستمع هؤلاء القادة إلى الكثير من الآراء والأفكار الأخرى، لكنهم لا يعملون بها لأنهم لا يستطيعون تقبل فكرة أن آراءهم غير صحيحة. كما أنهم لا يعطون المجال للآخرين لتولي دفة القيادة في اللحظة التي تحتاج فيها المؤسسة إلى أفكار ومقترحات أخرى كي تواصل النجاح، أو تتجاوز المشكلات والمعوّقات التي تواجهها.

المصدر : مواقع إلكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى