جهاز بحجم «شعرة الرأس» قد يعالج أشد أشكال الألم دون جراحة
يتمدد ليغطي مساحة واسعة من الحبل الشوكي.. ويمكن أن يكون علاجًا فعالًا لآلام الساق والظهر التي لا تعالجها المسكنات
طوّر فريق من المهندسين والأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية جهازًا فائق النحافة قابلًا للنفخ، يمكن استخدامه لعلاج أشد أشكال الألم دون الحاجة إلى جراحة معقّدة وخطيرة.
يستخدم الجهاز الذي طوره باحثون في جامعة كامبريدج مزيجًا من تقنيات التصنيع الروبوتية الناعمة والإلكترونيات فائقة الرقة والموائع الدقيقة، وفق الدراسة التي نشرتها دورية “ساينس أدفانسز” (Science Advances) اليوم “الجمعة”، 25 يونيو.
والجهاز رقيق للغاية، ويبلغ حجمه عرض شعرة الإنسان تقريبًا، ويمكن لفه في أسطوانة صغيرة، وإدخالها في إبرة، وزرعه في منطقة “الجافية”، وهي الغشاء الخارجي الذي يغطي الحبل الشوكي في العمود الفقري، وهي المنطقة نفسها التي يتم فيها الحَقن لتسكين الآلام في أثناء الولادة.
وبمجرد وضعه بشكل صحيح، يتم نفخ الجهاز بالماء أو الهواء بحيث يتم لفه مثل مرتبة هوائية صغيرة، ويغطي جزءًا كبيرًا من الحبل الشوكي، وعند توصيله بمولد نبضي، تبدأ الأقطاب الكهربائية الرفيعة جدًّا في إرسال تيارات كهربائية صغيرة إلى الحبل الشوكي، ما يؤدي إلى تعطيل إشارات الألم.
وتشير الاختبارات المبكّرة للجهاز إلى أنه يمكن أن يكون علاجًا فعالًا للعديد من أشكال الألم الشديد، بما في ذلك آلام الساق والظهر التي لا تعالجها المسكنات.
ويمكن أيضًا استخدام الجهاز كعلاج محتمل للشلل الرعاش أو مرض باركنسون، لكن ستكون هناك حاجة إلى اختبارات مكثّفة وتجارب سريرية قبل استخدام الجهاز على المرضى، وفق فريق البحث.
وتشير الدراسة إلى أنه “على الرغم من وجود أنواع أخرى من أجهزة تحفيز الحبل الشوكي تُستخدم حاليًّا لعلاج الآلام الشديدة، إلا أن أكثر هذه الأجهزة فاعليةً أحجامها ضخمة وتتطلب جراحةً توغلية، بالإضافة إلى أنها تعتبر أقل فاعليةً بكثير في علاج الألم مقارنةً بالجهاز الجديد”.
ويوضح الباحثون أنه “من خلال الجمع بين الفاعلية السريرية للأجهزة الجراحية وسهولة زرع الأجهزة، يمكن للجهاز الجديد أن يكون حلًّا فعّالًا طويل الأمد للألم المستعصي، الذي يؤثر على الملايين في جميع أنحاء العالم”.
يقول كريستوفر بروكتور، من قسم الهندسة بجامعة كامبريدج، والباحث الرئيسي للدراسة: “إن فريق البحث استهدف صنع شيء أفضل للبشرية، وهذا الجهاز فعال سريريًّا ولكنه لا يتطلب جراحة معقّدة وخطيرة، وهذا يمكن أن يساعد في توفير خيار العلاج الذي يغير حياة العديد من الناس”.
يضيف “بروكتور” في تصريحات لـ”للعلم”: تقدم هذه الدراسة فئةً جديدةً من محفزات الحبل الشوكي التي يمكن تغيير شكلها داخل الجسم، وأصبح هذا ممكنًا من خلال الجمع بين الإلكترونيات ذات الأغشية الرقيقة والموائع الدقيقة لتطوير جهاز رفيع جدًّا ومرن، بحيث يمكنه تغيير شكله عند إضافة الهواء أو السائل إلى الموائع الدقيقة.
ويبلغ سُمك الجهاز النهائي 60 ميكرونًا فقط (الميكرون أو الميكرومتر هو وحدة طول تعادل جزءًا من مليون من المتر)، وهو رقيق بدرجة كافية بحيث يمكن لفه ووضعه في إبرة للزرع، وبعد الزرع، يتمدد الجهاز ليغطي مساحة واسعة من الحبل الشوكي، وذلك بفضل قنوات الموائع الدقيقة.
يقول “بروكتور”: باستخدام هذا النهج، أظهرنا أنه يمكن لف هذه الأجهزة، وزرعها من خلال إبرة، ثم فكها لتغطية مساحة كبيرة داخل العمود الفقري عن طريق نفخ الموائع الدقيقة، وهذا الابتكار مهم لأنه يسمح بإجراء طفيف التوغل لزرع الشكل الأكثر فاعليةً لمحفز الحبل الشوكي، وعادةً ما تُستخدم محفزات الحبل الشوكي لعلاج الآلام المزمنة؛ إذ أظهرت أيضًا نتائج واعدة في التعامل مع بعض أعراض مرض باركنسون ومساعدة المرضى على التعافي من إصابات الحبل الشوكي.
ويُعد تحفيز الحبل الشوكي (SCS) خيارًا لأولئك الذين يعانون من آلام الظهر المستعصية أو أنواع أخرى من آلام الأعصاب، ولكن على الرغم من فاعليته، إلا أن استخدامه محدود، إذ يتم تنفيذ 50 ألف عملية فقط في جميع أنحاء العالم سنويًّا.
يتابع “بروكتور” في تصريحاته لـ”للعلم”: هناك أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من حالات الألم، وتحفيز النخاع الشوكي هو علاج مثبت للألم قيد الاستخدام حاليًّا، وسيسمح ابتكارنا لمزيد من الأشخاص بالاستفادة من خيار العلاج هذا عن طريق تقليل الأعباء السريرية والجراحية.
وحول خطواتهم المستقبلية، يقول “بروكتور”: نخطط لإجراء أول تجربة على البشر في غضون 3-5 سنوات، ولتحقيق ذلك، ستكون الخطوات التالية هي العمل مع مُصنِّع أجهزة طبية معتمد لوضع اللمسات الأخيرة على النموذج الأولي لدينا والبدء في الاختبار قبل السريري، ونحن نحقق أيضًا في إمكانية تطبيق مفاهيم الجهاز الأساسية لتقليل غزو الأجهزة الطبية الأخرى القابلة للزرع في الجسم.
المصدر : https://www.scientificamerican.com/