دواء تجريبي مبشر ضد ألزهايمر

استخدام العقار يساعد في تنشيط عملية «الالتهام الذاتي للخلية».. وقد يفتح باب الأمل لعلاج المصابين بالأمراض التنكسية العصبية

أعلن فريق من الباحثين في كلية طب “ألبرت آينشتاين” توصلهم إلى تصميم عقار تجريبي يعالج الأعراض الرئيسية لمرض ألزهايمر في الفئران، ويعتمد العقار على تنشيط آلية التنظيف الخلوي التي تساعد على التخلص من البروتينات غير المرغوب فيها عن طريق هضمها وإعادة تدويرها.

تقول “آنا ماريا كويرفو”، المدير المشارك لمعهد أبحاث الشيخوخة في كلية طب أينشتاين، ومؤلفة الدراسة: “إن الاكتشافات في الفئران لا تُترجم دائمًا إلى البشر، لا سيما في مرض ألزهايمر، لكن ما يثير حماسنا أننا وجدنا في دراستنا أن الانخفاض المفاجئ في التنظيف الخلوي الذي يُسهم في الإصابة بمرض ألزهايمر في الفئران يحدث أيضًا لدى الأشخاص المصابين بهذا المرض، مما يشير إلى أن دواءنا قد يصلح أيضًا للبشر”.

وكانت “كويرفو” قد اكتشفت –بمساعدة الفريق البحثي ذاته المشارك في الدراسة الحديثة- في تسعينيات القرن الماضي أن عملية التنظيف الخلوي المعروفة بـ”الالتهام الذاتي للخلية”، وتبع ذلك نشر 200 بحث حول دور “الالتهام الذاتي للخلية” في الصحة والمرض.

وتمثل عملية الالتهام الذاتي وسيلةً تحافظ بها الخلية على مصادر الطاقة في الأوقات الحرجة، خاصةً في حالة نقص المواد المغذية أو الأكسجين، إذ تعمل على توفير الأحماض الأمينية اللازمة لبقاء الحياة داخلها واستمرارها، كما تؤدي دورًا مهمًّا في التخلص من العضيات التالفة أو تلك التي فقدت وظيفتها، وتساعد كذلك في القضاء على مسبِّبات الأمراض من بكتيريا وفيروسات قد تهاجم الخلايا.

لكن هذه الآلية تقل فاعليتها مع التقدم في العمر، ما يزيد من خطر تراكم البروتينات غير المرغوب فيها بصورة كتل غير قابلة للذوبان تدمر الخلايا، والواقع أن “ألزهايمر” وجميع الأمراض التنكسية العصبية تتسم بوجود مجاميع بروتينية سامة في مخ المرضى.

وتُظهر الدراسة تفاعلًا ديناميكيًّا بين “الالتهام الذاتي للخلية” ومرض ألزهايمر؛ إذ يؤدي تراجُع التنظيف الخلوي في الخلايا العصبية إلى تزايُد احتمالات الإصابة بمرض ألزهايمر والعكس صحيح، وتشير نتائج الدراسة إلى أن استخدام الدواء الجديد يساعد في تنشيط آلية التنظيف الخلوي، وقد يمنح الأمل في علاج المصابين بالأمراض التنكسية العصبية.

في البداية، حاول فريق “كويرفو” البحثي التأكد من أن ضعف “الالتهام الذاتي للخلية” يسبب مرض ألزهايمر، وذلك من خلال تعديل فأر التجارب وراثيًّا ليكون لديه خلايا عصبية مثيرة في الدماغ تفتقر إلى آلية “الالتهام الذاتي للخلية”، وقد ثبت أن غيابها في أحد أنواع خلايا المخ كفيلٌ بالتسبب في فقدان الذاكرة قصيرة المدى، وضعف القدرة على السير، ومشكلات أخرى في نماذج القوارض المصابة بمرض ألزهايمر.

وتبيَّن أيضًا أن غياب عملية “الالتهام الذاتي للخلية” يسبب ارتباكًا شديدًا في الاستتباب البروتيني، وهو قدرة الخلايا على تنظيم البروتينات التي تحويها، وبالتالي، تحولت البروتينات القابلة للذوبان بشكل طبيعي إلى كونها غير قابلة للذوبان ومعرضة لخطر التكتل في مجاميع سامة.

كما فحصت “كويرفو” وفريقها البحثي فرضية أنه ربما كان العكس صحيحًا أيضًا، بمعنى أن مرض ألزهايمر في بدايته يُضعف قدرة الدماغ على “الالتهام الذاتي للخلية”، لذلك درست هي وزملاؤها نموذج فأر مصاب بمرض ألزهايمر في مرحلة مبكرة، حيث تم التحكم في الخلايا العصبية في الدماغ لإنتاج نسخ معيبة من بروتين “تاو”.

وتشير الدلائل إلى أن النسخ غير الطبيعية من “تاو” تتجمع معًا لتشكل تشابكًا ليفيًّا عصبيًّا يُسهم في الإصابة بمرض ألزهايمر.

ركز فريق البحث على نشاط “الالتهام الذاتي للخلية” داخل الخلايا العصبية في منطقة الحُصين، وهي منطقة الدماغ المسؤولة عن الذاكرة والتعلم، ووجدوا أن نشاط عملية “الالتهام الذاتي للخلية” في تلك الخلايا العصبية انخفض بشكل كبير، مقارنةً بالمجموعة الضابطة من الحيوانات.

ولكن ماذا عن مدى قدرة “الالتهام الذاتي للخلية” على منع مرض ألزهايمر المبكر عند البشر؟ للإجابة عن ذلك فحص الباحثون بيانات تسلسل الحمض النووي الريبي أحادية الخلية من الخلايا العصبية التي تم الحصول عليها بعد الوفاة من أدمغة مرضى ألزهايمر ومن مجموعة مقارنة من الأفراد الأصحاء.

وكشفت بيانات التسلسل عن مستوى نشاط “الالتهام الذاتي للخلية” في أنسجة دماغ المرضى، موضحةً أن نشاط عملية “الالتهام الذاتي للخلية” كان مثبطًا إلى حدٍّ ما لدى الأشخاص الذين كانوا في المراحل المبكرة من مرض ألزهايمر، يليه تثبيط أكبر بكثير لعملية “الالتهام الذاتي للخلية” في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر في مرحلة متقدمة.

تقول “كويرفو” في البيان الصحفي المُصاحب للدراسة: مع بلوغ سن 70 أو 80 عامًا، يقل نشاط “الالتهام الذاتي للخلية” بنسبة 30% مقارنةً بمَن هم أصغر عمرًا، وتستطيع معظم أدمغة البشر تعويض هذا النقص، إلا أن وجود مرض تنكسي عصبي في هذه الحالة يعني أن التأثير على التركيب البروتيني الطبيعي للخلايا العصبية في الدماغ يمكن أن يكون مدمرًا، وتُظهر دراستنا أن تراجُع “الالتهام الذاتي للخلية” يتفاعل بشكل تآزري (تعاوني) مع ألزهايمر لتسريع تطور المرض بشكل كبير.

وتشير المشرف المشارك إلى أن الدواء التجريبي -الذي أُطلق عليه “” CA- يعيد إحياء فاعلية “الالتهام الذاتي للخلية” من خلال بروتينات تُسمى المُرافقين chaperones””، تتحد مع البروتينات المعيبة أو التالفة في خلايا الجسم وتنقل حمولتها إلى ليزوزومات الخلايا، وهي عضيات ترتبط بغشائها مليئة بالإنزيمات التي تهضم النفايات وتعيد تدويرها، وتقوم بذلك من خلال مستقبِل بروتين يسمى LAMP2A، ويعمل الدواء على زيادة هذه المستقبلات وإعادتها إلى ما كانت عليه في مرحلة الشباب، مما يتيح لآلية التنظيف الخلوي التخلص من بروتين “تاو” والبروتينات المعيبة، لمنع تكوُّن كتل سامة جديدة.

وخلال شهر أبريل 2021 ، نشرت “كويرفو” في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” أنه لأول مرة تم عزل ليزوزمات الخلايا من مخ مرضى ألزهايمر وتسجيل تناقص مستقبلات LAMP2، مما يسبب فقدان آلية التنظيف الخلوي عند البشر، مثلما يحدث لدى نماذج الحيوانات المصابة بألزهايمر.

وقام الباحثون بتجربة عقار CA على نموذجين مختلفين من الفئران المصابة بألزهايمر من خلال إعطائهم جرعات من الدواء عن طريق الفم على مدى 4 إلى 6 شهور، وقد نتج عن ذلك تحسُّن في الذاكرة والاكتئاب والقلق، ما جعل هذه الحيوانات تبدو في حالة صحية شبيهة بالمجموعة الضابطة من الفئران.

تقول “كويرفو”: نظرًا إلى أن مجموعتي الفئران كانت تبدو عليها أعراض المرض وكانت خلاياها العصبية مسدودة بالبروتينات السامة قبل إعطائها الدواء، فقد ينجح الدواء في الحفاظ على وظيفة الخلايا العصبية حتى في المراحل المتقدمة للمرض، لقد كنا أيضًا متحمسين جدًّا لأن الدواء قلل بشكل كبير من مرض “الدباق”، وهو التهاب الخلايا المحيطة بالخلايا العصبية في المخ، إذ يرتبط هذا المرض بالبروتينات السامة، ومن المعروف أنه يؤدي دورًا رئيسيًّا في استمرار الأمراض العصبية التنكسية وتفاقمها.

ويؤكد “إيفريبيدس جافاثيوتس” -أستاذ الكيمياء الحيوية والطب، والمشارك في الدراسة- في البيان الصحفي أن العلاج بعقار CA لم يؤثر سلبًا على أي عضو بالجسم، حتى عند إعطائه يوميًّا لفترات ممتدة.

تقول “كويرفو” في تصريحات لـ”للعلم”: لقد اختبرنا الدواء في الفئران فقط، لكن ذلك يُعد خطوة كبيرة إلى الأمام اعتمادًا على التأثيرات المفيدة الملحوظة في الحيوانات، ولا تزال هناك اختبارات يجب إجراؤها قبل إعطاء هذا الدواء للإنسان تجنُّبًا لأي ضرر، ونأمل بنشر هذه الدراسة، أن تلتفت شركات الدواء إلى أهمية إجراء بحوث واختبارات سريرية من أجل طرح هذا العقار للمرضى.

وتضيف: من الصعب التكهن بتوقيت إنتاج العقار، إذ يعتمد ذلك على عدد الشركات المهتمة بهذا الأمر والتمويل المتاح، كما أن تطوير دواء جديد عادةً ما يستغرق من 5 إلى 7 سنوات لاستكمال مرحلة الاختبار على البشر لضمان سلامته.

يُذكر أن “كويرفو” و”جافاثيوتس” تعاونا مع مؤسسة Life Biosciences” ” في بوسطن، المتخصصة في تطوير علاجات لتقليل مضاعفات الشيخوخة، لتأسيس شركة تتولى حاليًّا تطوير CA ومركبات ذات صلة لعلاج ألزهايمر والأمراض التنكسية العصبية الأخرى

المصدر : https://www.scientificamerican.com/

زر الذهاب إلى الأعلى