تيشيت… والزيارة المؤجلة/محمد الامين سيدي بوبكر_صحفي

قبل زهاء ثلاثة قرون كانت مدينة تيشيت التاريخية موطنا للعائلة، قبل أن تهجرها – إثر بعض النزاعات الأهلية التي شهدتها تيشيت منتصف القرن الثاني من الألفية الهجرية الثانية – لتستقر بمدينة باسكنو، وكان الوالد العلامة سيدي محمد بن موسى بن أيجل رحمه الله، وابنه العالم الشاعر الطالب سيد أحمد بن سید محمد بن أنجل، ونجله العالم الشاعر اعلي ثالول بن الطالب سيدي أحمد بن سيدي محمد بن موسى بن أيجل، من أساطين العلم والأدب التي رفعت صرح تيشيت المعرفي، وسروجها التي أضاءت صحراء تكانت وأنارت دروب السالكين لطريق القوافل على سلاسل جبال هضبة تكانت وفيافي آوكار.

بل إن بعض المؤرخين قرن اسم المدينة (تيشيت) باسم الوالد سيدي محمد بن موسى بن أيجل وجعلها موطنًا له، كما أورد أبو عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي الولاتي في كتابه فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور الذي حققه محمد إبراهيم الكتاني.
وجاء في ترجمة البرتلي للوالد سيدي محمد بن موسى بن أيجل (حرف الميم – رقم 89 – الصفحة 109 – الطبعة الأولى 1981):
“الفقيه سيدي محمد بن موسى بن أيجل الزيدي نسبا التشيتي وطنا، رحمه الله تعالى.
كان رحمه الله تعالى عالما فقيها نحويا لغويا أصوليا بيانيا عروضيا منطقيا شاعرا ناثرا متقنا متفننا حسن الخط بديعه أخذ عن (….) وأخذ عنه شيخنا الفقيه سيدي محمد بن الطالب بن عمر البرتلي وغيره.
له في الفقه نظم مسائل ابن جماعة في البيوع، وله في النحو أوراقه المشهورة التي انتفع الطلبة بها المسماة كشف النقاب في قواعد الإعراب، وشرحها، وله في المنطق كتاب رتق الحجر المعلق في أصول وفصول المنطق.
وبدأ شرحه فلم يتم.
وكلامه في تواليفه حسن يدل على وسع باعه في العلم والله أعلم.
توفي رحمه الله في السابع عشر بعد المائة والألف، وقد رمز ابنه شيخنا الطالب سيد أحمد إلى عام وفاته ببيت في روي الفشتالية وهو قوله:
وقد زال زيّ قش القوم إذ رمت
سهام المنايا نجل موسى بن أيجل
والرمز في (زي قش)”.

وعن هجرة العائلة من تيشيت إلى باسكنو قال المؤرخ محمد صالح بن عبد الوهاب الناصري في كتاب الحسوة البيسانية في علم الأنساب الحسانية في فصله المتعلق بأولاد داوود بن اعروق:
“والبيت الثاني بيت أهل موسى بن أيجل، منهم ابنه سيدي محمد بن موسى بن أيجل العالم صاحب أدوات الإعراب وأول نظمه:
أقول وقول الحق أولى تجملا
محمد الزيد بن موســى بــن أيـجــلا

ومنه الطالب سيد أحمد بن سید محمد بن أيجل العالم الشاعر المشهور، وابنه اعلي ثالول بن الطالب سيد أحمد بن سيدي محمد بن موسى بن أيجل عالم شاعر.
وخرجوا من تيشيت مع أهل الحاج لحسن بن آغبُدي أيام حروبهم مع أهل العقيد وسكنوا البادية زمنا مع بعض الأغلال ثم مع أهل بورَدَهُ من مُهَاجِري أولاد علوش”.

وترجم المؤرخ محمد صالح بن عبد الوهاب الناصري في كتاب الحسوة البيسانية في علم الأنساب الحسانية الذي حققته الدكتور حماه الله ولد السالم، للوالد بالقول:
“سيدي محمد بن موسى بن أيجل ت 1117هـ / 1705م عالم ضليع في النحو والعروض والمنطق، وهو أيضا شاعر متقن وناثر حسن الخط.
له نظم مسائل ابن جماعة، وله في النحو ورقاته المسماة: كشف النقاب في قواعد الإعراب، وشرحها، وله في المنطق: رتق فتق الحجر المغلق في أصول وفصول المنطق، لم يتم” قبل أن يحيل إلى ترجة البرتلي في فتح الشكور.

ومن خلال ما سبق يمكنني فهم هذا الإحساس الذي يدفعني لزيارة تيشيت، فمنذ النسخة الأولى لمهرجان مدائن التراث (المدن القديمة سابقا) وأنا أعتبره سانحة لزيارة هذه المدن التاريخية الخالدة في ثنايا الذاكرة الجمعية للشعب الموريتاني، وعلى رأسها “تيشيت” للاطلاع عن قرب على ما بناه الأجداد من إرث حضاري ومجد ثقافي أثيل، في بيئة عصية على كل شيء تقريبا.

وقد ظلت “الزيارة المؤجلة” لهذه المدن العتيقة وعلى وجه الخصوص تيشيت حلمًا مؤجلًا وأملا يحدوني مع كل نسخة من هذا العرس الثقافي المشهود، وينتظر ظروفا مواتية؛ ربما لا ينقصها شيء أكثر من عزم لم ينعقد من قبل مثل ما انعقد هذا العام قبل أن تؤجله ظروف طارئة هي الأخرى.
فإلى فرصة قادمة بحول الله وقوته.

زر الذهاب إلى الأعلى